2011-02-10

سبعون ديسيبال لاغير بين تونس ومصر



الناصر الهاني -



قبل الثورة الطيّبة - طيّبة لأنّ الذين قاموا بها ضُحِكَ عليهم ولا يتسع الوقت هنا لبيان غُفلنا ونوايانا الطيّبة - شهدت صفحات الفايس بوك والمواقع الاجتماعية الأخرى نسقا من السخرية والنقد بسبب ما قالته المستشارة رياض الزغل في مجلس المستشارين حول التلوّث الصوتي الناتج عن الآذان ومصادقة السيد الأخزوري والاجتهاد الواضح في هذا الشأن.

 ولمن لا يعرف السيدة رياض فهي قامة علمية مشهود لها في الإقتصاد والتصرف ويندر أن تجود البلاد بمثلها وهذا بعيدا عن مواقف النقد أو الرفض فلهذه السيدة فكر ثاقب وأطروحات نادرة في مجالها . كما أثبتت نجاحا إداريا كذلك عندما كانت عميدة لكلية الاقتصاد والتصرف بصفاقس رغم موقف من عاصروها من توجّهها الرافض لكل من يخالفها الرأي فهي صارمة مع المتحجبات بشكل صريح، كما كانت استئصالية دون مواربة إضافة إلى تشجيعها للـ "بيزوتاج" ولمن لايعلم هذا الفن إذ هو ضرب من التنشيط يطلق له العنان في مفتتح السنة الدراسية للترحيب بالطلبة الجدد وفيه ضروب من الفنون والبيداغوجيات التي يروح بها الطلبة عن أنفسهم، ففيه يتعرف الطلبة إلى طرق منع الحمل والتطبيع مع العلاقات اللاقانونية وشيوعية القُبَل ومشاعية العلاقات بين الجنسين ولم لا الجنس الواحد.

فالسيدة الزغل بمعزل عن مكانتها العلمية ساهمت أثناء عملها الإداري في فرز نوعية الطالب الذي كان "العهد الجديد" يهدف إليه وكانت من المهندسات اللائي وصلن للنتائج دون تكلفة، لذلك كان حري بالعهد الجديد أن يرد لها الجميل فكان كرسي مجلس المستشارين الذي وُهب لغيرها من الباحثين والعلماء الذين تركوا مجال البحث والمعرفة لتتخصص أكفهم في التصفيق وتدجين فصول الدستور المدجنة أصلا من أجل ديمومة الرئاسة وتمديدها المُشرعًن ظلما، أو لإدانة قناة أو ظلم شريحة من شرائح الشعب المطحون.

طرحت السيدة الزغل مقترح التلوث الناجم عن الآذان وللأمانة رأيها ليس بدعة تونسية ففي كل الدول العربية ثمة أصوات تنادي بهذا الطرح، وهذا من حق كل طرف إذا كانت مجالسنا التمثيلية ديموقراطية ومنتخبة وإذا كانت أنظمتنا شعبية بصدق، وليست تسلطية وليست كريهة بطعم واحد مقزز ولون واحد كريه ومكروه. فمن حق كل طرف أن يطرح رأيه لوكان نظامنا مثل النظام السويسري أو الفرنسي أو الأمريكي فلم لا تطرح رأيها فيما يقلقها ويضجرها؟ أما أن يطرح هذا الرأي في ظل الظروف التي نعلمها جميعا فهذا حيف واستقواء بالسلطة وماتراك الشرطة وتخويف الناس بالسجون بعدما رُكِن الشعب في الزاوية.

ولا نظن أن نظام بن علي يحسب حسابا للشَّعْبِ بل فقط للشُعَبْ وها نرى اليوم المشهد يتكرر حتى بعد رحيل بن علي فالشعب يُعتَبر غيرَ ناضج والتخويف بالفراغ الدستوري هو الفزاعة كما كانت في الزمن البائد فزاعات كثيرة. قلت إنّ السيدة الزغل طرحت مطلبا يبدو شخصيا وهو ليس كذلك، فهي مستشارة والمجلس الذي هي فيه يصنع سياسات ويضع مخططات نافذة رغم قول النظام أن المجلس لا صبغة تشريعية لديه، بل هو استشاري على حدّ زعمهم ،ولذا فإن هذا الرأي سيمثل خيار الناس في مستقبلهم فهي بالتالي تتكلم بسم الشعب فمن خوّلها لهذا الأمر؟ وهل حدثت استشارة أواستفتاء في هذا الغرض؟ وأنا هنا أفترض أن الأمر فيه ديموقراطية ولونسبية والأمر ليس كذلك البتة ولهذا فهذا المطلب كان نتيجة ديماغوجيا مقيتة وتعدّ على هوية شعب ضعيف أُبْعِد من كل المجالات التي تخص حياته، وهاهو يُقْتَحَم في أمره العَقَدِي بعدما مُسَّت عقيدتُه في مجملها وتصرّف النظام في كل رموز هذه العقيدة.

فصورة الحاكم التائب الذي يزور المساجد متوفرة بكثرة، وخطب الجوامع تلهج بذكره وتدعو له بدوام البقاء وكذا مؤسسة الإفتاء وبرامج التربية الإسلامية في كل مراحلها وهنا جاء التنظير ل"الإسلام التونسي" ولا غرابة أن نجد عالما في الاجتماع كعبد الباقي الهرماسي الباحث المتفرد حينما مسك وزارة الثقافة قال إننا نعتني بالزيتونة باعتباره تراثا، وهنا يضيق المقام لبيان خطر مثل هذا التوجه، فتونس التي تعترف في دستورها بأنها دولة دينها الإسلام المسجد فيها مكتسب محنط باعتبار أن بعض مثقفينا يؤمنون بمفهوم القطيعة التامة مع ماهو ميتافيزيقي بل يبشرون في التأريخ لرقعتنا بالفينيقية والبونيقية من حيث الأصول ولم لا! لا تكون فاتحة مجدنا بعليسة ولهذا كانت أوراق عُملتنا تـَشي بهذا الفكر إذ احتوت 7 نوفمبر وعليسة، فالتاريخ اختـُزل عندنا بين عَلَمين استقرا بقرطاج، أما ابن خلدون فهو متصوف اعتزل السياسة وطلقها في خواتيم حياته وغيره من الرموز لا تتعدى كونها تركيّة تربت في القصر وظل فكرها الإصلاحي رهن الكتب.

أما ابن علي فهو مصلح فذ وثائر فريد في تاريخ تونس بحسب كمال عمران المفكر والباحث. وعودة لما سيق فطرح الزغل لهذه المسألة كان مُسقطا بلا سند ولاركيزة والكل يعلم الظروف التي انطلقت فيها دعوتها، وكان أولى بمجلس المستشارين أن يتناول على الأقل الظروف الاقتصادية وحال الخرّيجين الجامعيين الذين سيعمدون إلى نار برومثيوس ليطهّروا بها جسد وطن لفه النفاق في كل المجالات، فلا السياسة صالحة ولا أرقام الاقتصاد صائبة ولا الروحاني متروك لحاله، فالفرد مقهور ظاهرا وباطنا والمعلومات كلها مدفوعة الأجر كما هو الحال لحكمة سيدة تونس الأولى وفكرها الثاقب ومساندتها للمعوقين وذوي الإحتياجات الخاصة الذين رعتهم فأخذت الأموال باسمهم وانطلقت لوجهة معلومة.

ومطلب السيدة الزغل كان يكون مقبولا لولا تدخل وزير الشؤون الدينية وهذه التسمية دليل على تفتح تونس وانفتاحها على كل الأديان لكن لم لا يُستهدَف فيها إلا الدين الإسلامي؟ على أنني أرفض التضييق على أية ملّة أومجموعة تعتقد في أي اعتقاد حتى لوكان وثنيا طالما يكون الفيصل بينها وبين غيرها فصول تنظيمية قانونية تهيكل الحياة الجماعية وتحفظ السلم الاجتماعي. وتتسم العلاقات بين هذه الأطياف بقبول الاختلاف وحرية الاعتقاد وعدم الإكراه.

وبما أن الوزارة وزارة لكل الأديان فلم لا نراها تتدخل في أي دين ثان كالمسيحية أو اليهودية علما وأن مدارس القديسات في تونس تضع برامج التربية الدينية ولا تضييق على طقوس الملتين بل تتعطل حياة الناس إذا توافق الأمر مع قداس يهودي كما هو الحال في قابس أو المكنين أما بجربة فلا يجب أن نتطرق للموضوع من أصله وللأمانة ليست الوزارة وحدها هي التي تشتغل بهذا المشغل، فجبهة حماية اللائكية بزعامة خميس الخياطي وحمادي الرديسي تقوم بما هو أكثر. فلقد شنعوا بزيارة يوسف القرضاوي في حين ما تكلموا لمازارنا وزير الكيان الصهيوني، ولما استقبل الرئيس أكثر من حاخام متطرف وصهيوني مقيت فالوزير المبجّل كان متحمسا لجعل الآذان لا يتجاوز 70 ديسيبال، في حين أغاني الربوخ وأعراس التجمع لا حد يعطى للجم أصواتها فأحدث هذا الأمر غصة في نفوس شعب لا يريد إلا تطبيق قناعاته دون أدلجة أو ديماغوجيا.

وهذه العدوى انتقلت بسرعة للقاهرة ليطلب سياسيّوها منع بث خطب الجمعة خارج المساجد، ولم يعوا خطر مثل هذه الدعوى إذ أنهم سيمنعون الدعاء للريس بطول العمر وطول الحكم من الانتشار والخروج للشارع. فهل يحق للمساجد ألا تلعب دورا في إدامة كرسي الريّس؟ وهنا يطرح السؤال مجددا: من خوّل هؤلاء لطرح هذه المسائل؟ وإذا وقع القضاء على كل مشاكل هذه الشعوب وحققت هذه النخب الرفاه والعيش الكريم للناس فيحق لها ساعتها فعل كل شيء. ولو تعلّق الأمر بحذف المساجد من أصلها إن أرادوا فليتوجهوا إلى نفع العباد وليتركوا العُبّاد في زواياهم وليقطعوا رأس الفتنة فقد تكون هذه 70 ديسيبال وغيرها من المصائب سبب زلزال لعروش قادمة. وحتى لا يقول بعض أبناء وطني إنني أريد الركوب على الثورة فإنني أقول هذا كان سببا كامنا في الوعي الجمعي وكانت شرارة البوعزيزي رحمة الله عليه وعلى الشهداء أقوى وأوضح.

1 تعليقات:

تعليق أبو عبد الله التونسي ...

بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و على أله و صحبه و من والاه أما بعد فإن هذه السافلة المجرمة الحقيرة زغل و إلا بغل فهي معادية للإسلام بتهجمها عن الأذان و هو شعار و شعائر المسلمين و تهاجمها على القرآن فهو ركيزة المسلمين و منهاجهم فلا يحق لأي مسلم عاقل أن يمجدها في أي مجال كان فالمسلمين عندهم من الدكاترة و المهندسين و العلماءو خبراء الإقتصاد و التصرف والعباقرة الذي يغنينا عن هؤلاء المرتدين و الخبثاء الذين يبثون خبثهم لأبنائنا عبر كل الوسائل المتاحة لهم فحري بنا أخذ الأمور بالجدية و عدم ترك المجال لهذه الفئة من المعادين للإسلام لسماع صوتهم أو ترويج افكارهم الهدامة التي تزيد البلاد و العباد إلا تأخرا و إنحدار إلى الرذيلة و الخبث الذي ينعكس عليه إنفكاك المجتمع و إنحطاط الأخلاق و إفساد العلاقات الزوجية و العائلية و التقهقر الإجتماعي و الإقتصادي والله المستعان و عليه التكلان و لا حول و لا قوة إلا بالله

10 فبراير 2011 في 11:55 م

إرسال تعليق