2011-03-15

حاكمة قرطاج - الحلقة 1: ليلى التي قدّمت نفسها أيقونة للحداثة التونسيّة


رأى الغرب لفترة طويلة في النظام التونسي السابق نموذجا يجدر ببلدان العالم الصاعدة الاقتداء به. لكن كان الجميع يدرك أيضا أن نظامه يسوده الفساد والتسلّط، وأن ليلى الطرابلسي، زوجة بن علي، وأفراد أسرتها كانوا يمثّلون بممارساتهم وسلوكياتهم أبرز رموز ذلك الفساد وذلك التسلّط.

ومنذ عام ‬1992 ردّد بن علي أنّ دور المرأة يشكّل عاملا حاسما في حياة المجتمع وتقدّم البلاد. ذلك الدور أرادت زوجته ليلى الطرابلسي تجسيده من خلال نشاطات وهيئات اجتماعية عديدة والظهور باستمرار إلى جانب الرئيس. لكن كان للعملة وجهها الآخر، إذ مارست ليلى الطرابلسي بالوقت نفسه كل أشكال المناورات التي تجيدها كثيرا.

لقد استخدمت أساليب كثيرة لتثبيت موقعها في قصر قرطاج ابتداء من ترتيب زواج أبناء وبنات أسرتها من عائلات ذوي النفوذ، وحتى الاعتماد على شبكات تدين بالولاء لها في الحكومة ومؤسسات الدولة. هذا إلى جانب دفع أخوتها وأبنائهم إلى حيث سيطروا على مختلف أوجه النشاط الاقتصادي، بعيدا عن أي احترام للقوانين النافذة.

جرى الحديث كثيرا في فرنسا والغرب عمّا سُمي بـ "المعجزة التونسية" في عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. ويؤكّد مؤلفا هذا الكتاب أن الطبقة السياسية الفرنسية لم تكن تولي الكثير من الاهتمام للطبيعة السياسية للنظام التونسي السابق.ولم يكن يغيب عن ذهن أحد أن حالة من الفساد كانت تستشري في تونس وكانت ليلى الطرابلسي، زوجة بن علي، وأفراد أسرتها يمثلون الرموز الأكثر بروزا لذلك الفساد، خاصّة بما امتلكوه من "المال السّهل" وما أظهروه من بذخ وعبث بكل القوانين والقواعد.

أيقونة الحداثة

يعود المؤلفان إلى عام ‬1988 حيث كان بن علي، وريث الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، يحاول تثبيت أركان سلطته الهشّة عبر كسب شرائح اجتماعية جديدة ومتنوّعة. وفي مثل ذلك السياق استقبل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في قصر قرطاج بعد خروجه من السجن مباشرة. هذا إلى جانب تأكيده بالوقت نفسه علنا تمسّكه بالإجراءات الليبرالية التي كان قد اتخذها الرئيس الأسبق بورقيبة.

في عام ‬1992، وفي سياق موجة العنف التي عرفتها الجزائر المجاورة إثر إلغاء الانتخابات التشريعية لعام ‬1991 التي فازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية بأغلبية المقاعد، غيّر بن علي من توجّهه ابتعادا عن الأطروحات المحافظة وتبنّيا للنهج الليبرالي باسم الحداثة. وينقل المؤلفان عنه قوله عام ‬1992 بمناسبة عيد المرأة تأكيده على: "إعادة الاعتبار للمرأة والاعتراف بمكتسباتها وتكريس حقوقها ضمن إطار القيم الدينية والمدنية التي يفتخر الشعب بالانتماء إليها".

وعملت الدعاية الرسمية آنذاك على أن تجعل من ليلى الطرابلسي، التي كانت تظهر غالبا إلى جانب زوجها الرئيس بن علي منذ زواجها القانوني منه، أيقونة الحداثة التونسية.وكانت قد تعوّدت على أن ترتدي ملابسها من بيوت الأزياء الكبرى في باريس ولندن وتمضي عطلها في "سان تروبيز" على "الكوت دازور" في جنوب فرنسا وغيرها. وقد تعودت "السيدة الأولى" في تونس على ترديد ما تقوله الدعاية الرسمية، وترأست بالوقت نفسه العديد من المنظّمات، مثل منظمّة المرأة العربية والندوات الوطنية للاتحاد العام للنساء التونسيات والمؤتمر العالمي للنساء رئيسات المؤسسات...الخ. وينقل المؤلفان عنها قولها في بعض التصريحات لصحف فرنسية وغيرها قولها: "إن دور المرأة جوهري من أجل عملية التغيير والإصلاح" و "المرأة عامل هام في تدعيم الديمقراطية" و"إن تونس دخلت في عصر الإصلاحات الذي وضع المرأة في قلب الحركة". ( تتم الإشارة في هذا السياق أن ليلى الطرابلسي كررت في إحدى مقابلاتها عام ‬2006 تعابير تخص "المرأة" و"المرأة التونسية" و"المرأة العربية" ‬38 مرّة). ومقابلات كثيرة يشير لها المؤلفان تذهب في الاتجاه نفسه حول دور المرأة قبل قولهما "بالنسبة للأمور الأخرى تبقى ليلى الطرابلسي في غاية الكتمان". والسيرة الرسمية الذاتية لزوجها بن علي تكرّس لها جملة واحدة تقول: "الرئيس زين العابدين بن علي متزوّج وأب لخمسة أطفال. زوجته، ليلى بن علي، نشيطة جدا في عدّة منظّمات خيرية تونسية تونسية وعالمية لنصرة قضايا المرأة والأسرة والطفولة".

شخصيّة خادعة

"ها نحن في قلب اللعبة المزدوجة لليلى الطرابلسي"، يقول المؤلفان. الدفاع عن حقوق المرأة رسميا من جهة، وإتقان ألعاب السرايا (القصر الحكومي) من جهة أخرى. والسيدة الطرابلسي تجيد اللعب في الحالتين في بلاد هي الأكثر غربية والأكثر شرقيّة أيضا في جنوب البحر المتوسّط.

ويؤكّد المؤلفان القول: إن الصعود الكبير والخاطف لليلى الطرابلسي لا يعود لدراساتها إذ لم تحصّل منها سوى النزر القليل، ولا يعود بالطبع إلى المهن المتواضعة التي مارستها. لكنها تمتلك مواهب أخرى يتمثّل أهمها في الصبر وقوة الحدس والمهارة في المناورة والسر والدسائس والجاذبية، وحتى اللجوء إلى النسّاك "المرابطين" والسحرة بمساعدة والدتها "الحاجّة نانا" التي توفيت في شهر أبريل ـ نيسان من عام ‬2008. أمّا علاقات ليلى الوطيدة والحميمة فهي مع المال ومع الأقرباء. وهي في مركز أسرة الطرابلسي المكوّنة من ‬11 أخا وأختا.

ومن مواهب ليلى الأخرى نشاطها في ترتيب الزيجات. كان من أكبر نجاحاتها في هذا المجال عام ‬2004 عندما زوّجت ابنتها نسرين من وريث أسرة الماطري البورجوازيّة التونسية. وكانت قد دفعت أخاها الأكبر بلحسن إلى الطلاق كي يتزوّج من الابنة البكر للهادي جيلاني، رئيس الأعراف التونسيّين. وبدا أن هذا الأخير طمح للفوز بمنصب رئيس البرلمان التونسي غداة الانتخابات الرئاسية والتشريعية لشهر اكتوبر ـ تشرين الأول من عام ‬2009.أي ما يعني إمكانية أن يتولّى الرئاسة في حالة الاختفاء "المفاجئ" لرئيس الجمهورية بن علي. في مثل تلك الفرضية تغدو ليلى عندها هي السيدة الحقيقية للعبة السياسية.(لكن الأمور سارت في اتجاه آخر).

وينقل المؤلفان أنه في الفترة الأخيرة عندما بدأت صحّة بن علي تتدهور استدعت ليلى الطرابلسي وزير الخارجية والأمين العامة للرئاسة لتقول لهما ما يلي: "تعرفان مثلي أن الرئيس يمرّ في حالة إحباط بسبب الجهود المفرطة التي قام بها خدمةً للوطن. وأطلب منكما بالتالي العناية به عبر تجنّب إرهاقه بأخبار وملفات قد تزيد من خطورة حالته. وتستطيعان بكل الحالات العودة لي أوّلا من أجل جميع المواضيع.وأنا أعرف كيف أعرض عليه الأمور".

ولم تتردّد ليلى منذ ذلك الحين في إبراز شبكات نفوذها.وكانت تعقد اجتماعات شبه يومية في الصالون الأزرق بقصر قرطاج مع "وزرائها" والمقرّبين منها. وشرعت لإي إدارة نادي للنساء تتردد عليه نساء الوزراء ومناضلات التجمع الدستوري الديمقراطي، حزب السلطة، والمقرّبات من عائلة الطرابلسي. هكذا أخذت طموحات ليلى تتحقق بفضل الضعف البدني لزوجها. وسادت في تونس أجواء نهاية عهد حيث خامرت أثناءها فكرة تولّي ليلى للرئاسة أذهان جميع التونسيين. بلورت ليلى الطرابلسي في الواقع كل أشكال خوف المجتمع وحقده. ولم يكن أحد يستطيع البوح بذلك بسبب الرقابة الصارمة على وسائل الإعلام. وينقل المؤلفان في هذا الإطار فكاهة سرت كثيرا في تونس آنذاك مفادها أنه "جرى ضبط زين وليلى يتبادلان القبل في إحدى الحدائق العامّة مما يسيء للأخلاق العامّة، فتمّ اقتيادهما أمام قاضي حكم على زين بدفع مائة دينار وعلى ليلى بدفع مئتي دينار. عند الدفع قال بن علي للقاضي محتجّا: هذا ظلم لماذا تدفع ليلى غرامة مضاعفة؟. أجاب القاضي: هذا ما ينصّ عليه القانون فهي من أصحاب السوابق".

هوية مراوغة

من هي ليلى الطرابلسي ؟.هل هي الفتاة السهلة، كما يصفها البورجوازيون التونسيون؟ أم هي الفتاة المستقلّة والطموحة التي ساهمت لقاءاتها الغرامية في صعودها الاجتماعي السريع؟. هذان السؤالان يتصدران الأسئلة التي يطرحها المؤلفان.

نقرأ أن اسم الطرابلسي شائع جدا في تونس. وليس من المفاجئ إذن أن تكون هناك فتاة أخرى تحمل اسم ليلى الطرابلسي. لكن المفاجأة الحقيقية هي أن ليلى الطرابلسي الأخرى موجودة والإثنتان من سن متقاربة ومسيرتهما متشابهة حيث بدأتا مسيرتهما المهنية بالعمل في أحد صالونات قصّ وتصفيف الشعر النسائية في العاصمة التونسية.وقد نالت ليلى «الأخرى» شهرة أكبر في البدايات من زوجة الرئيس التونسي لاحقا. كانت «الأخرى» من مواليد طرابلس في ليبيا وقد أقامت علاقات مع الأجهزة السريّة التونسية وتغلغلت في الأوساط الليبية عندما كان الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي يحظى بسمعة سيئة جدا في تونس بالمقدار الذي كان يخيف قادتها. هكذا تعرّفت ليلى «الأخرى» على ضبّاط وزارة الداخلية التونسية بمن فيهم الجنرال زين العابدين بن علي.

وبعد أن أصبح بن علي رئيسا ارتبطت ليلى «الأخرى» مع محمد علي محجوبي الذي أصبح مدير أمن الرئيس ثم سكرتير دولة للأمن في الحكومة. كان الرئيس عندها يعيش مع ليلى الطرابلسي التي غدت زوجته رسميا فيما بعد. ولم تقبل وجود ليلى الطرابلسي «أخرى» غير بعيدة عنها فطلب الرئيس من سكرتير الدولة للأمن في الحكومة قطع علاقته معها لكنه رفض. فجرى اعتقال الاثنين، هو وعشيقته، بتهمة «التجسس لصالح إسرائيل».

تمّ الإفراج عن الرجل بعد عامين. واستدعاه الرئيس بن علي إلى قصر قرطاج حيث قال له: «أنا متأسّف.لقد نقلوا لي معلومات خاطئة».أمّا ليلى «الأخرى» فقد اختفت في رمال الصحراء. وأصبح الحديث عنها من المحظورات، هذا ما يؤكّده مؤلفا الكتاب.

«ليلى دجين»

وُلدت ليلى الطرابلسي، زوجة بن علي، في كنف أسرة متواضعة وترعرعت في بلدة خزندار بالقرب من العاصمة تونس. كان أبوها يعمل بائعا للفواكه المجففة بينما اهتمّت أمّها بتربية أبنائها الأحد عشر. بدأت ليلى حياتها المهنية في صالون لقصّ وتصفيف الشعر للسيدات في ساحة برشلونة بتونس العاصمة. وفي عام ‬1975 التقت بالمدعو خليل معاوية الذي كان يدير وكالة لتأجير السيارات على طريق المطار وتزوجت منه ليتم الطلاق بعد ثلاث سنوات.

عملت ليلى بعدها في وكالة للسفر وسط العاصمة تونس. وهناك اكتشفت عالم رجال الأعمال وسافرت قليلا واشترت سيارة "رينو‬5" صغيرة.كانت تحب الخروج وينقل المؤلفان عن صديقاتها في تلك الفترة أنها كانت لطيفة ومستعدّة دائما لتنظيم الاحتفالات والذهاب إلى الشاطئ. وقد أطلقوا عليها في الأحياء الشعبية يومها لقب "ليلى دجين"، إشارة إلى الشراب الكحولي الذي كانت تفضّله.

قامت ليلى الطرابلسي أحيانا عند فراغ وقتها بأعمال تجارية صغيرة عبر مواد كانت تجلبها من روما وباريس. ضبطها رجال الجمارك في إحدى الرحلات، فلجأت إلى أحد معارفها وهو "طاهر المقراني" الذي كان أحد أعمدة بناء وزارة الداخلية التونسية عند الاستقلال.

تجدر الإشارة إلى أن بن علي ربما كان قد التقى بها آنذاك حيث شغل منصب مدير الأمن خلال فترة ‬1977 ـ ‬1980.لكن جرى نقله في مطلع عام ‬1980 إلى بولندا كسفير لبلاده بعد اضطرابات مدينة قفصة التونسية التي كان الرئيس الليبي معمر القذافي وراءها، حسب المعلومات التونسية.

دعوة للتصرف كمحترفين

إن اللقاء الذي قلب مسيرة حياة ليلى الطرابلسي هو مع فريد مختار، رجل الصناعة الكبير والخبير بالفن ومالك النادي الإفريقي لكرة القدم في تونس. وقد كان صهر محمد مزالي، رئيس الوزراء آنذاك. وبفضله عملت ليلى كسكرتيرة إدارة في أحد فروع الشركة التونسية للبنوك التي كان يديرها خاله حسن بلخوجة المقرّب من بورقيبة وأول سفير في فرنسا للجمهورية التونسية الفتيّة بعد الاستقلال. وبرفقة فريد اكتشفت ليلى المجتمع التونسي الرفيع والثري.

استمرّت علاقة ليلى وفريد أربع سنوات قبل أن يضع هذا الأخير حدّا لها. وفي عام ‬1984 عاد الجنرال بن علي من بولندا حيث اختاره محمد مزالي وزيرا للداخلية. لم يتأخّر بن علي في البحث عن اللقاء بليلى الطرابلسي لتعيش سريعا في كنفه. وينقل المؤلفان أنه قال لها ذات يوم وهو يخرج مسرعا إلى موعد مهم: "ينبغي التحلّي بالصبر، فسوف نكون قريبا في قصر قرطاج".

خلال السنوات الأربع التي تلت زواج بن علي من ليلى عام ‬1992 ظلّت عائلة الطرابلسي بعيدة عن الأضواء.ولكن اعتبارا من عام ‬1996 برزت شهيتهم بوضوح في الحدّ من طموحات بعض العائلات التي كانت تسيطر على مقادير تونس مثل عائلات الطايف ومبروك وشيبوب. وفي تلك السنة وضع الأخ الأكبر لليلى، أي بلحسن، يده على شركة الطيران التي حملت تسمية "قرطاج للطيران". والأخ منصف، المصوّر السابق في الشارع، أصبح رجل أعمال كبيرا. وأولاده الثلاثة حسام ومعز وعماد، تولّى كل منهم احتكار أحد القطاعات في البلاد. وفرضوا قانونهم على جميع النشاطات.

وفي عام ‬2002 جمع بن علي أهم أعضاء عائلة الطرابلسي وقال لهم: "إذا كنتم تريدون المال فافعلوا ذلك بتحفّظ على الأقل. وعليكم أن تجدوا رجالا يكونون مجرّد غطاء ـ رجال من القش ـ يظهرون في الواجهة، وشركات تخدم كواجهة"، بتعبير آخر قال لهم: عليكم أن تتصرّفوا كمحترفين.

3 تعليقات:

تعليق Hatouya ...

بسم الله و السلام عليكم

1 - ما صار في تونس كان عبرة لأهلها تعلمنا منها أن لا نرضخ لطاغية من جديد.
2 - سيرة ليلى أو غيرها لن تعلمنا شيئا، ربما عرفنا ما صار في قرطاج أو خارجه، لكن لا أرى منفعة من التقطيع و التاريش.
المهم، أختم بهذا الدعاء لربما يقينا به الله من شر طاغية صاعدة جديدة لا يعلمها إلا هو : اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ

و السلام عليكم

16 مارس 2011 في 9:57 ص

تعليق wassssssssa ...

kleeeeb hayawanet tfoooooo

17 مارس 2011 في 4:21 ص

تعليق غير معرف ...

c'est une très belle femme.

29 مارس 2011 في 3:47 م

إرسال تعليق