تونس - المتنوشة -
سقط نظام السابع، ذاك النظام العميل و التابع أسقطه شعبه ذات غضب في وقت اعتقد الجميع أنه من المستحيل هز شعرة منه، و هو النظام الأمني الأقوى عربيا و حتى عالميا، يعتمد على شبكة مخابرات تخترق كل مفاصل الدولة و هياكلها حيث لا يخلو شبر من حضور له إما متمثلا في صورة أو في مخبر أو في رجل أو حتى في منتمى إلى حزبه.
نظام يعتمد العنف المفرط و الاقصاء المباشر و التصفية على اساس الولاء، نظام ربما لم تعرف اوربا الشرقية و الانظمة السوفياتية و حتى النازية نظاما اكثر منه خنقا و كبتا و تكبيلا للحريات العامة و الفردية.
نظام يضع كل من لا يشبهه في خانة العدو حتى و ان لم يكن معارضا له، فان نجا من التعذيب فطبعا لن ينجو من الاقصاء و التهميش.
نظام يعتمد على الفساد و الترهيب فجعل من الدولة و مؤسستها طاولات قمار و رشاو و فساد لايعلم حدوده الا الله و المحقـّقون الذين سيتولون النبش في ملف القضايا المتعلقة بالفساد.
نظام يعتمد على حكومات صورية و ابواق دعاية تتمتهن الخطاب الذي يعود الى القرون الوسطى من تأليه و تمجيد و تسبييح بحمد الرئيس.
نظام جعل من الوطن سجنا و اغتصب الوطن و استبدله بالحزب فاقترن اسم تونس باسم الحزب و في أحيان طغى عليها.
ترددت كثيرا قبل الكتابة في هذا الموضوع و الادلاء بدلوي نظرا لضبابية الرؤية و حالة الفوضى و تسارع الاحداث و الكم الهائل من الأشخاص الذين يحاولون الركوب على الثورة و قطف ثمار مجهود الشعب.
فالحالة اليوم أشبه بعيد ميلاد احد اطفال الطبقات المحظوظة حيث يتكالب الاطفال على كعكعة عيد الميلاد كل يريد قطعة له متناسين العيد و أحقية صاحب عيد الميلاد في تقسيم كعكعته.
كذلك الشعب الذي ألقي خلف الظهور بحجة الانقاذ من الفوضى و الفراغ و الواضح أن النظام الجديد-القديم ظل يستعمل نفس الأسلوب الترهيبي محترفا رياضة رفع الفزاعات بعد أن خسر رياضة رفع التحديات.
فمن فزاعة الاسلاميين التي ماعادت تنطلي الا على الأطفال الصغار و أشباه المثقفين الى فزاعة الفوضى و الفراغ و الأمر الواقع بتسليم السلطة للجيش و غيرها من السيناريوهات التي لا تصلح الا نصوصا للمسرحيات الفاشلة و ليس كأطروحات انقاذ وطني.
ثم ان الحديث عن حكومة وحدة وطنية يستثنى منها البعض و يشرك فيها البعض و توزع فيها الحقائب الوزارية حسب اهواء الذين كانو في الصفوف الخلفية للثورة و الذين كانو يقمعونها و يتحدثون عن ملثمين و ارهابيين هو ضرب اخر من ضروب الاستبلاه، فلم يكن الشابي و لا بن ابراهيم مع احترامي للاخير قادرا على احتواء الشعب و مطالبه بل كانت الثورة هي من تقودهم و عجزوا عن مسايرتها، ففي الوقت الذي كانت تصرخ فيها حناجر الثوار مطالبة برحيل بن علي كان الشابي على الأقل يطالب برحيل وزير الداخلية بل وقد أبدى حزبه رغبة في المشاركة في حكومة يترأسها سيىء الذكر بن علي.
كذلك بن ابراهيم الذي ظلت مطالبه بعيدة كل البعد عن المطالب التي نادى بيها الشارع و اقتصر على مطالب تجاوزتها الثورة التي لامست السقف.
و ما أتحدث عنه لا يعود الى عصور ماضية بل هو حدث لم يتجاوز الأسابيع و جميع التسجيلات و المواقف توثق كلامي.
لقد أثبتت المعارضة و النخب اكثرها أنها عاجزة عن سماع الشارع و انها مستعدة حتى للضرب بمطالبه عرض الحائط كما جاء على لسان إياد الدهماني الناشط في الحزب الديمقراطي التقدمي حيث "قلل هذا الأخير من حجم" الاحتجاجات على الحكومة الأنتقالية"ووصف المحتجين بـ "المراهقين السياسين" و "الذاهبين الى المجهول" على حد تعبيره.
حيث نلاحظ تصعيد الخطاب مع تصاعد مكاسب المعارضة و التي ولدت مكاسبها نقاشا و جدلا حادا داخلها.
وهو ما يهدد بانقسام الشارع بتباين المواقف ما بين خائفين من الفراغ المحتمل في حالة اسقاط الحكومة و بين راغبين في اسقاط الحكومة.
و هذا ما ستجيبنا عنه الأيام القادمة.
0 تعليقات:
إرسال تعليق