من نهار اللي دخلت الانترنات لتونس وبرشة معطيات تقلبت في مجال الإعلام المقروء. التّوانسة المشتركين في الشّبكة متع الرتّيلة ولاّو قليل ياسر وين يشريو جريدة واذا شراوها يكون الدّافع هو البحث عن اعلانات الشّغل أو مسحان البلاّر (وساعات لفـّان الكسكروتات).
المعطيات هاذي زادت تقلبت في السّنوات الأخيرة بعد ما برشة جرايد قرّرت باش تعمل نسخ الكترونيّة لاصداراتها الورقيّة و تواكب شويّة النّسق السّريع متع تطوّر الحصول على المعلومة ونشرها. على سبيل الذكر وليس الحصر نضربو مثال الصّباح، الصّريح والشّروق.
الجرايد هاذم، ورغم إطنابهم في اللغة الخشبيّة و صدى المحاكم و إعلانات المشعوذين والتّحليلات الرّياضيّة العقيمة، تمكّنوا باش يكسبوا عدد لا يستهان به متع قرّاء ومتابعين بما أنّهم فهموه آشنوّة يحبّ يقرا (وموش شنوّة محتاج باش يقرا والاّ لازمو يقرا فيما يخصّ بلادو). النّاس اللي لاهيين بالجّرايد هاذم، من رؤساء تحرير ومحرّرين ومراسلين جهويّين، يعرفو مثلا اللي عدد كبير من النّساء والبنات يحبّو على أخبار المغنّي الفلاني وحياتو الشّخصيّة بالتّفصيل، يعرفو زادة اللي ما أقلّش من زوز ملاين فرطاس يحبّو يقراو حوار مع الكوّاجي فلان وإلاّ المدرّب فلتان اللي طرّدتو الجّمعيّة الفلانيّة والاّ هرب منها، وشالقين اللي فمّة عدد محترم من المرضى النّفسيّين اللي يموتو على المقالات اللي من نوع "ضبطها زوجها وهي تتلوّى بين ذراعي عشيقها" (واللي في أغلب الأحيان تكون وهميّة ومن نسج خيال السّحافي اللي كتبها واللي هوّ بيدو في أمسّ الحاجة لحصص متع علاج نفسي).
هنا لازمنا نعرفو حاجة مهمّة ياسر وهي أنّ أحد الأدوار الرّئيسيّة لوسائل الإعلام (بما فيها الصّحافة الرّقميّة) هو بالأساس توعية القارئ والنّهوض بمستواه الفكري (إذا كانو على مراد الله) وموش أنّها تزيد تبهّمو وتدخّلو في حيط وتخبّي عليه المعلومة اللي هو محتاج باش يعرفها - ولازمو يعرفها - بما أنّها قاعدة تصير في بلادو وبالتّالي تمسّو كمواطن سواءًا من قريب وإلاّ من بعيد.
لكن للأسف الشّديد، أغلب الجّرايد غلّبت الرّبح المادّي على كلّ ماهو نزاهة وأخلاق مهنيّة وطاحت في مستنقع التملّق و الشّعوذة و التّفاهة، الشيّ اللي خلّى المواطن التّونسي يعرف قبل ما يحلّ جريدة آش باش يلقى في الصّفحة الثّانية والثّالثة وقبل الأخيرة والأخيرة، وبالتّالي ينفر من الجّرايد هاذي ويلوّج على بديل يحترم عقلو وتوقّعاتو أكثر.
وبما أنّنا في عصر الواب 2.0 والـ HTML5، كان من الطّبيعي باش يتوجّه الشّعب لشبكة الرتّيلة، فمّاش ما يلقى باش يبلّ ريقو بعد الجّفاف الإعلامي اللي عانى منّو لسنوات وسنوات. ومن الطّبيعي أنّو الشّعب هذا يلوّج على أخبار بلادو قبل أيّ أخبار أخرى. لكن لقى اللي الحكاية ماهيش بالسّهولة اللي كان يتصوّرها.
فمن ناحية أولى، لقى اللي أغلب المواقع اللي تحكي على الشّأن العامّ وإلاّ السّياسة في تونس (بغير شكلها المتداول في وسائل الإعلام الرّسميّة) ما تتحلّش (404)، ومن ناحية ثانية يتحطّ قدّام خيار "صعيب" وهو أنّو يا ويلو يحلّ الموقع المسكّر بهاك الطّريقة اللي نعرفوها النّاس الكلّ "ويتحمّل مسؤوليّتو في ذلك"، يا ويلو "يعمل عقلو ويُرزن" ويستكفى بما هو موجود من مواقع "تونسيّة".
كيف نجيو للمواقع "التّونسيّة" هاذي نلقاو اللي عددها كبير نسبيّا لكن المعروفة منها تنحصر في 4 مواقع وهي: تيكيانو، تونيسكوب، تونيفيزيون، وبيزنس-نيوز. المواقع هاذي ما تشتركش فقط في كونها فرنكوفونيّة (ناطقة بالفرنسيّة) وإنّما كذلك في نشرها لمقالات ومقاطع فيديو تمسّ شريحة معيّنة من التّوانسة الميسورين مادّيّا (بصفة نسبيّة) والممثّلين واللي يصنّفو رواحهم كـ"هاي كلاس" (بالإضافة طبعا للجّالية الفرنكوفونيّة المقيمة في تونس أو المقيمة في فرنسا والمهتمّة بتونس). النّاس هاذم الكلّ في قالب بعضهم يتسمّاو البيبول People، وهذاكة منين جات تسمية les magazines people اللي يستعملوها ها المواقع وقت اللي يحكيو على رواحهم. وما تستغربوش اذا بعض المواقع هاذي يقدّم نفسو على أنـّو موقع "اقتصادي" وإلاّ "تكنولوجي" و برشة مواضيع يتطرّقلها هي بالأساس مواضيع تمسّ الـ"بيبول" هاذم.
يقول القايل، هالمواقع "التونسيّة" لاهيين بيها ناس يفترض أنّهم يكونو شبّان (في العمُر موش في المنظر) ومتمكّنين من التّقنيات الحديثة بطريقة تخوّللهم باش يكون حال مواقعهم أهون من الجّرايد اللي حكينا عليهم الفوق، لكن اللي صار هو أنّ الجّماعة استغلّوا فهمهم للحاجات اللي يحبّو يقراوهم ها البيبول هاذوما - وموش اللي لازمهم يعرفوهم على بلادهم - بحيث صار نفس السّيناريو متع الشّعب vs السّحافة الورقيّة ولكن بطريقة مختلفة شويّة.
وقت اللي تدخل لأيّ موقع من المواقع هاذم تلقى تقريبا نفس المواضيع اللي نعتبرها شخصيّا تافهة ياسر (ونجّم نكون غالط) والهدف منها هو الإثارة و جلب الزّوار لتحقيق الرّبح المادي بقطع النّظر على أبجديّات العمل الصّحفي اللي لازمو يكون نزيه وهادف قبل كلّ شيّ (حتّى وإن كان مستقلّ).
مثلاً، في خضمّ الأحداث اللي قاعدة تعيش فيها بلادنا منذ 9 أيّام، واللي وصلت حتّى مواقع من زامبيا تحكي عليها، شنوّة نوع المقالات اللي نلقاوهم اليوم في مواقع الـ"بيبول"؟
تيكيانو: تحت قناع بسيكو آم / صغرونات : أوّل موقع للرضّع في تونس / بيع مليون ونصف هواتف ويندووز 7 في العالم.
تونيسكوب: هاري بوتر في تونس / انتر ميلان يستقبل مدرّبه الجّديد / ما الذي تمثّله رسوم المانغا في تونس؟
تونيفيزيون: تصدير طيور الزّرزور من تونس إلى إيطاليا: "قلم" جديد يزدهر في تونس / جعفر القاسمي انزادلو صغير / سكسيليكس : الملفّات السرّية في حياة التّونسيّين الجّنسية / حصري : كواليس قلابس "اللوجيك الرّياضي".
بيزنس نيوز: المدينة العتيقة تواجه فضاعة البناءات الفوضويّة / سوسن معالج تواجه متطرّفي فايسبوك / تونيزيانا في عيد ميلادها الثّامن : أسرار النّجاح.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ المقال الوحيد اللي نشرو موقع بيزنس نيوز على أحداث سيدي بوزيد مقال متخشّب بامتياز وحكى كيفاش أنّو "من الدّناءة توظيف مآسي الآخرين (يقصد أهالي سيدي بوزيد) من أجل تصفية حسابات سياسيّة ضيّقة" وفرحان ياسر كيفاش "نسبة البطالة طاحت من 13.3 إلى 13.0 بالميا عام 2010"، معناها نتصوّر كان نشروهش يكون أسترلهم.
هذا من غير ما نحكيو على الطّرق المقرفة والمثيرة للإشمئزاز اللي يستعملو فيها مواقع أخرين باش يعبّيو الكاسة واللي تطرّقلهم الصّديق تيتوف في مقال سابق هنا.
بحيث أنّنا اليوم في تونس قدّام معضلة إعلاميّة قدّ سخط - حاشاكم. أحنا اليوم بين المطرقة متع الإعلام الرّسمي الخشبي وسندان المواقع متع "البيبول" اللي ما يهمّها كان قدّاش تعبّي فلوس في شكارتها والنّاس استفادو والاّ لاجعلهم باش يستفادو وعرفو آش قاعد يصير في البلاد والاّ لا يجعلهم باش يعرفوا. هذا طبعا من غير ماننساو خازوق الحجب اللي عمّال ويتوغّل واللي موش النّاس الكلّ في مقدورهم أنّهم ينحّيوه، سواءًا لتواضع معرفتهم التّقنيّة أو بدافع الحيطة والحذر (باش ما نقولوش الخوف).
الحلّ الوحيد حاليّا لتجاوز المعضلة هاذي هو الإلتجاء للمبادرات الفرديّة المتمثّلة فيما يُعرَف بصحافة المواطن، لكن الطّريقة هاذي ماهيش مضمونة بنسبة كبيرة في غياب أيّ تكوين إعلامي للناس اللي اختارت باش تقوم بالدّور هذا طواعيّة، كما أنّ غياب الدقّة و الموضوعيّة ينجّمو يكونو حجّة في يد الإعلام الرّسمي وقت اللي سياسة الحجب تزيد تتكثّف.
حاصيلو، ربّي يعمللنا دليل واذا سمح الوقت توّة نزيدو نحكيو أكثر في الموضوع هذا، وان شاء الله نهاركم زين.
4 تعليقات:
حـتى نرفع في مستوى لغة الـشعب وجب الحـديث باللغة التي يجب أن يتقنها ولا بالتي يريد أن يسمعها الدارجة التونسية هي ما يصبو اليه أصحاب صحافة بودورو
عدا ذلك فليحالفكم النصر
لا فض فوك.
موضوعك شيق و سلس و قلمك أكثر رشاقة من لاعبة جمباز في " طمبكها ".
و على رأي صاحبنا الشاعر/ لكل داء دواء إلا "السحافة" أعيت من يداويها.
موضوع يستحق الاهتمام نظرا لما ال اليه مسثوى وسائل الاعلام و خاصة مستوى القارئ
birjouliya m3allem ,sa77a
إرسال تعليق