2014-11-22

عودة النظام القديم في تونس ليست إشاعة | مقال مترجم


23 نوفمبر 2014 هو موعد الإنتخابات الرئاسية في تونس، وفوز الباجي قائد السبسي في هذه الإنتخابات سيكون  علامة عودة نظام بن علي للسيطرة على مقاليد الدّولة



تستعدّ تونس لإنتخاب رئيس جديد لجمهوريّتها الشابّة، وقد قدّم حزب "نداء تونس" الذي حصل على أكبر عدد مقاعد في الإنتخابات التشريعيّة الأخيرة مرشّحه لهذه الإنتخابات: الباجي قائد السبسي. وأيّد هذا الترشيح حزب "آفاق تونس"، حزب "الكفاءات" النيو-ليبيرالي، وزاد في مساندته انسحاب مترشّحين آخرين. أضف إلى ذلك أولئك الذين ترعبهم الدراماتورجيا الأمنيّة إلى حدّ تمنّي عودة النظام الإستبدادي أو التقليل من خطورة إعادته.

تحاصر عدّة انتقادات الباجي قائد السبسي. فبعيدا عن سنّه و حالته الصحيّة، تبقى الحجّة الأقوى ضدّه هي كونه المترشّح الذي اختارته كتلة سياسيّة تمثّل، رغم وجود وجوه ديمقراطيّة فيها، قوى الثّورة المضادّة في تونس. ويمثّل السبسي أيضا مصالح أولئك الذين يتمنّون عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 17ديسمبر 2010، أي قبل إضعاف الديكتاتوريّة وقبل أن تصبح المطالبة بالحريّة و الكرامة و العدالة الإجتماعيّة شيئا مُمكنًا.

الهيكل العظمي لديكتاتوريّة بن علي

منذ انتخابات 2011 التي أبعدت لفترة من المشهد السّياسي الرّسمي النُّخَبَ الدستوريّة المافيوزيّة وهؤلاء يتنظّمون بطرق عديدة من أجل البقاء في واجهة هذا المشهد والمحافظة على ما يعتبرونه مِلكاً من أملاكهم: جهاز الدّولة. وسهّلت الطّبقة السياسيّة المؤقّتة التي أتت بها تلك الإنتخابات - وعلى رأسها حركة النهضة - لعودة من كانوا العمود الفقري لديكتاتورية بن علي فوق بساط أحمر، إذ أنّ رغبتهم في احتكار أجهزة الدّولة لصالحهم كانت أقوى من السّبب الذي كان يجب أن يدفعهم لإفراغ هذا الجّهاز من كلّ سُلَطِه، لأنّه كان استبداديّا بالأساس. فقد فضّل أغلب هؤلاء السياسيين التّحالف مع المسؤولين الفاسدين بدل عرضهم أمام المحاكم. وسمحت قوانين الحصانة لفاسدين و لصوص وجلاّدين - أي باختصار من كانوا يمثّلون العمود الفقري لحزب التجمّع الدستوري الدّيمقراطي - بأن يصنعوا لأنفسهم عذريّة سياسيّة وبأن يعودوا إلى المشهد الإعلامي و السياسي من الباب الكبير، وهو ما فعله اثنان من المترشّحين للإنتخابات الرئاسيّة: عبد الرحيم الزواري، الكاتب العام السابق لحزب التجمّع، و منذر الزنايدي، أحد وزراء بن علي و رئيس مجلس نوّابه. 

مَرَضٌ سياسي إستبدادي

السبسي هو رَجُلُ تلك الشبكات، و مسيرته و حياته و محيطه يشهدون بذلك. أليس السبسي من أعلن غداة وصوله إلى قيادة الحكومة المؤقّتة سنة 2011 بأنّ قنّاصة بن علي ليسوا سوى "إشاعة"؟ أليس هو من فعل كلّ شيء من أجل إخفاء أرشيف بن علي في أسرع وقت ممكن؟ أليس هو من أجّج وأضرم "الصّراعات العروشيّة" التي خلّفت العديد من القتلى و الجّرحى؟ حزب "نداء تونس" هو الواجهة السياسيّة لتلك الشّبكات، نفس الشّبكات التي نادت في صيف سنة 2013 بحلّ المجلس الوطني التأسيسي، المؤسّسة السياسيّة الوحيدة التي تمّ انتخابها بطريقة ديمقراطيّة، بإسم "شرعيّة سياسيّة تاريخيّة" زائفة. انتصار هذه الشّبكات هو على أيّ حال أحد أعراض هذا المرض السياسي الإستبدادي: شبكة أموال، شبكة أمنيّة و شبكة زبائنيّة قادرة على جذب الأحزاب الليبراليّة و الديمقراطيّة التي ترعبها فكرة الفوضى. طيلة ثلاث سنوات، ساهم جزء كبير من وسائل الإعلام المكتوبة و المسموعة و المرئيّة المتواطئة في إشاعة مناخ من الرّعب المبني على التّضليل و المعلومات الخاطئة. طيلة ثلاث سنوات، ساهمت شبكات الأموال في صناعة مناخ أزمة إقتصاديّة وهميّ يهدف إلى جعل النّاس يحنّون إلى عودة النظام القديم. طيلة ثلاث سنوات خلقت الشّبكات الأمنيّة عمليّات وهميّة، كلّ واحدة منها أقلّ قابليّة للتصديق من الأخرى، بهدف إشاعة جوّ من الذّعر. وتوّجت هذه السّنوات الثلاث بالإنتصار. ليس إنتصارا في الإنتخابات، ولكن على ضمائر حزب الخوف هذا، إنتصارٌ ليس سوى تمهيد لفوز قائد السّبسي في الإنتخابات الرئاسيّة في نهاية المطاف وعودة تلك الشّبكات إلى مسك مقاليد السّلطة دون عُقد.

تونس ما بعد 17 ديسمبر 2010، تلك التي صرخت بصوت عالٍ وواضح بأنّها تفضّل الموت على العودة إلى تلك الديكتاتوريّة، وبأنّها سوف تجتثّ الشرّ والظّلم من نظاميها السياسي والإجتماعي، تستحقّ ماهو أفضل من عودة هؤلاء "القدماء-الجدد" الملتحفين بأردية بورقيبيّة و نوفمبريّة. نداء تونس و الباجي قائد السّبسي لا يخدعون أحدا، بمن فيهم منتخبوهم ومساندوهم، فليس في سنّ الثامنة و الثمانين يصبح "المترشّح رقم 7" قادرا على البدء في مسيرته كرجل ديمقراطي. مستقبل تونس لا يستحقّ أن يُصادَر مرّة ثالثة، و كما هتف المتظاهرون في ساحة القصبة في شتاء 2011 "إن عُدتُم ... عُدنا".   
  
وجدان ماجري، شكري حمد، شيران بن عبد الرزّاق، سنية جليدي و هالة يوسفي
    
ترجمة رمزي | مدوّنة المتنوشة | 23 نوفمبر 2014

     

0 تعليقات:

إرسال تعليق