نشر موقع مغرب انتلجنس مساء أمس روايته لما يبدو أنّه ما حدث في تونس يوم هروب بن علي وفي اليوم الذي تلاه. ما يلي هو ترجمة للمقال الأصلي الصّادر باللغة الفرنسيّة.
صبيحة الجّمعة 14 جانفي 2011، لاذ زين العابدين بن علي إلى قصره في مدينة الحمّامات، حيث استدعى بعض أعضاء حكومته ومستشاريه. كان فريق تلفزيّ متواجدا كذلك على عين المكان. أمّا حول القصر، فقد كان الجنرال علي السّرياطي يؤمّن المكان، في حين كان زبانيته المسلّحون يطوّقون الحيّ المحيط بالقصر.
استدعى بن علي النّاطق الرّسمي باسم الرئاسة عبد العزيز بن ضياء ومستشاره السياسي عبد الوهاب عبد الله، الحليف الودود لعائلة الطّرابلسيّة، و أخبرهما بأنّ الوضع خرج عن كلّ سيطرة وأنّه أصبح مجبرًا على الإطاحة ببعض الرؤوس.
كانت التـّقارير الأمنيّة الأخيرة التي تلقـّاها بن علي تشير إلى انتفاضة شاملة تعمّ البلاد، وتـُنبئ بوصول المتظاهرين إلى قصر قرطاج. ارتبك بن ضياء وعبد الله قبل أن يطالبا بتقديم الوزير الأوّل - محمّد الغنـّوشي - ككبش فداء، وتردّد بن علي لوقت قصير قبل أن يوافق على اقتراحهما.
كان هاتف بن علي يرنّ دون انقطاع. لم تتوقــّف ليلى الطّرابلسي عن الإتـّصال به حتـّى تحثــّه على "الصّمود"، وحتـّى تـُخبره بأنّه بإمكانه الإعتماد على ميليشيات أشقـّائها وعلى دعم الدّول الخليجيّة له. لكنّ بن علي لم يعد راغبا في تلقـّي مكالماتها، ورغم إقالته لمستشـارَيْه بن ضياء وعبد الله فإنّ الشــّارع لم يهدأ. فالمتظاهرون كانوا ينادون بكلّ وضوح برحيل بن علي. و بعد ساعتين، أقال حكومة الغنـّوشي قبل أن يتراجع عن قراره.
بعد الظـّهر، كان وجهان بارزان في نظام بن علي قد تخلـّيا عنه: كمال مرجان، وزير الخارجيّة، ورشيد عمـّار، القائد الأعلى للقوّات المسلّحة. كوّن كلاهما محورًا صلبا يطالب بن علي بالرّحيل لتجنّب حمّام الدم. أعلم رشيد عمّار بن علي بعد ساعات قليلة بأنّ الجّيش سيكون مجبرًا على إعلان حظر التجوّل، وبأنّه سيغلق المجال الجوّي خلال ثلاث ساعات.
أيّد مرجان ما قاله عمّار، وأخبر بن علي بأنّ الولايات المتـّحدة ستتخلّى عن النـّظام وتقوم بتطبيق عقوبات في حال سقوط المزيد من المدنيّين برصاص قوّات الأمن. حينها تدخّل عبد العزيز بن ضياء وطلب من بن علي أن "يختفي" لبضعة أيّام تغرق خلالها تونس في فوضى عارمة، فسيتمّ تدبير تفجيرات وإلقاء مسؤوليّتها على الإسلاميّين قبل أن ينظّم التجمّع الدستوري الدّيمقراطي مسيرات حاشدة لمناشدة "المنقذ" بالعودة إلى البلاد.
اقتنع بن علي بالخطـّة، وفكـّر في البقاء في تونس لوهلة لكنـّه حسم أمره وقرّر مغادرة البلاد. في االبدء فكّر في اللجوء إلى مالطا نظرا لقــُربها، ثمّ غيّر وجهته إلى باريس التي كان يظنـّها قادرة على تمتيعه بتغطية إعلاميّة كبيرة.
في الوقت الذي قصد فيه بن علي طائرته وسط حراسة مشدّدة، كان محمّد الغنـّوشي يُلقي "مجبرًا" كلمة مسجـَّلة للشـّعب التونسي مُعلنا فيها أنّ الرّئيس قد "ابتعد مؤقــّتا عن مهامّه"، وأشرف على إلقاء الكلمة كلّ من الجنرال السّرياطي وعبد العزيز بن ضياء.
الخطـّة كانت شيطانيـّة، لكنـّها لم تأخذ في حسابها تصميم الثــّنائي عمـّار-مرجان، ففي المساء، ضغط الأمريكان على الفرنسيّين حتـّى لا يستقبلوا الرّئيس المخلوع، واتـّصلت هيلاري كلينتون بالأمير نايف بن سلطان حتـّى يستقبله. في الوقت ذاته، كان اجتماع يُعـقد في تونس العاصمة، حيث أعلن رشيد عمّار أنّ الدّستور سيُحترَم. عندما علم بن ضياء بفشل الخطّة، أصيب بنوبة، أمّا عبد الوهاب عبد الله فقد وُضع تحت الحراسة في مقرّ إقامته.
في السّاعات الأولى للصّباح، تمّ تطبيق ما ينصّ عليه دستور البلاد تحت ضغط مرجان وعمّار، وفقد بن علي كلّ فرصه في العودة للبلاد كرئيس للجّمهوريّة. وبشغور المنصب، تمّ تعيين فؤاد المبزّع، رئيس مجلس النوّاب المصاب بمرض القلب والذي لا يهتمّ برئاسة الجّمهوريّة.
عندما فهم علي السّرياطي ما كان يجري، انتشر صحبة زبانية بن علي في كامل أنحاء البلاد لبثّ الرّعب فيها بعد أن تلقـّوا الأمر بـ "إحراق" تونس. إلاّ أنّ خطّتهم أوقفت قبل بلوغها لأهدافها، فقد تحالف الجّيش مع المواطنين وأنقذوا بلد الياسمين من كارثة.
0 تعليقات:
إرسال تعليق