2011-01-01

الخضراء تدفع متأخرات ضريبية وأمنيات العام الجديد مؤجلة


القدس العربي - كتب توفيق الرّياحي - 

احتلت تونس الخضراء مساحات واسعة في نشرات الأخبار بالإعلام العربي والدولي. حيثما ولّيت وجهك وجدت في انتظارك صورا متشابهة تذكرك ببدايات التلفزيون الأولى لولا الألوان، بعضهم يذكر المصدر (الانترنت) وآخرون يتركونك تخمن هل هي صور من الأرض أم من كوكب آخر. 

حدث مع تونس كمن يتأخر عن دفع ضريبة ثم تصله فجأة غرامة تطالبه بمبلغ كبير تعويضا عن تهرب طويل. غابت طويلا عن الشاشات ثم دفعت الحاضر والمتأخر.

اهتزت سيدي بوزيد فحدثت رجات ارتدادية في قاعات التحرير بكثير من عواصم العالم، وأصبح اسما سيدي بوزيد ومحمد البوعزيزي ينافسان ويكيليكس.

أحاول أن أستعيد حضور تونس في نشرات الأخبار بالفضائيات العربية والدولية، فلا أكاد أتذكر شيئا يستحق الذكر، إلا من محاولات تبدو أحيانا كأنها مقصودة و'عنادية' من قناة 'الجزيرة' القطرية في نشرات الأخبار المغاربية. عدا ذلك 'العافية والسماء صافية'، أو 'No news good news'.

أحيانا يجدر أن يطرح المرء سؤالا حول حضور أو عدم حضور بلد ما في نشرات أخبار التلفزيونات العربية والدولية: أيهما أفضل (في المطلق)؟ وأيهما أفضل لنظام حكم مطعون في شرعيته وكفاءته؟

هناك حكومات فهمت أن نشرات الأخبار تعني التشهير، لأن الخبر الايجابي قليل الحظ عكس الخبر السلبي الذي تتلقفه وسائل الإعلام: 'عض كلب رجلا' ليس خبرا، أما 'عض رجل كلبا' فخبر يملأ الدنيا. عليه ارتأت هذه الفئة من الحكومات أن الحضور الدائم مضر ولو كان إيجابيا. من هذه الحكومات، حكومتا تونس والجزائر. وهناك حكومات فهمت العكس، قدّرت أن الغياب الدائم عن الشاشات يعني نوعا من العزلة والتهميش، وأن الحضور نوع من الترويج للبلد وحكومته وسلطته ككل. وارتأت أن بعض الأخبار 'الضارة' ضريبة ضرورية لهذا الحضور الدائم المجاني. من هذه الحكومات، الحكومة المصرية وكذلك المغربية التي توصلت في 2006 الى اتفاق على 'زواج مصلحة' مع قناة 'الجزيرة' أنجب مكتبا جعل المغرب يحضر يوميا على شاشة أكثر القنوات العربية انتشارا، ثم تطورت الأحداث فافترق الجمعان.. التفاصيل تعرفونها.

تونس اختارت العكس تماما فطبقت القول القائل 'الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح'. سدت الباب ومنعت الريح ثم وقفت قبالته تراقب ما لا يليق بها أو ما ترى أنه يسيء لها في الفضائيات العربية لتحتج وترد عليه. ولحسن حظها اقتصرت مصادر إزعاجها على قناة 'الجزيرة' فلم تتعب من الاحتجاج عليها ومهاجمتها كلما رأت ذلك ضروريا. أفلحت مرات وفشلت أخرى فاشتكت الحكومة من أن 'الجزيرة' تسبح في فلك المعارضة والإسلاميين المنفيين، واشتكى هؤلاء من أن القناة تجامل نظام الحكم في بلادهم على حساب 'قضاياهم'. وكان واقع الحال أنه لولا بعض المعارضين والنقابيين في الداخل والخارج، لمَا حضرت 'الخضراء' في الإعلام العربي نهائيا. ربما يجوز اعتبار تونس محظوظة في هذا الجانب لأن مشاكلها كانت مع قناة 'الجزيرة' فحسب، كون القنوات الأخرى أقل 'صدامية'، إضافة الى أنها في شبكات برامجها لا يوجد شيء اسمه نشرة مغاربية يومية يجب ملؤها بموضوعات مغاربية. تخيلوا لو كانت مصادر الإزعاج متعددة ومن محطات فضائية كثيرة، كم من الجهد والوقت والموارد كانت الحكومة التونسية ستحتاج وتسخّر. 

وكذلك فعلت الجزائر بعدما احتلت أخبارها الشاشات والصفحات المطبوعة نحو عقد من الزمن، حتى عندما التقى صحافيون جزائريون يعيشون في الدوحة وزير الدولة عبد العزيز بلخادم، في إحدى زياراته للعاصمة القطرية، واقترحوا عليه تشجيع العمل على فتح مكتب لـ'الجزيرة' بالجزائر العاصمة، رد بصريح العبارة: لا.. يهنّونا ونهنيهم (يريحوننا ونريحهم).

مع سيدي بوزيد والمناطق الأخرى، ورغم حساسيتها المفرطة تجاه كل ما يقال عنها، لم تحاول الحكومة التونسية والمقربون منها من صحافيين ونقابيين نفي الأحداث ككل مرة. هذه المرة اختاروا القول إن ما حدث يحدث مثله في كل دول العالم، وإن هذا دليل على حيوية المجتمع التونسي، وإن البطالة ظاهرة عالمية وغيره من الكلام المعتدل.

هذه المرة اختلف الأمر لأن الاهتمام بالأحداث لم يكن من الدوحة وحدها، فاقتنع حاملو لواء الدفاع عن تونس ـ تقليديا وبهذه المناسبة ـ أنه لن يكون من العقل اتهام الجميع بالتهويل والتآمر على استقرار تونس.

تابعتُ تغطية تلفزية سهرة الاثنين فكانت 'بي بي سي' عربي غير مداهنة تجاه تونس، وكانت 'العربية' أكثر حدة من 'الجزيرة'، و'فرانس24' العربية أكثر حدة من الاثنتين، ولم تكن 'الحرة' أقل انتقادا وصراحة من الآخرين.

كأن سعادة ما انتشرت في قاعات التحرير لأن موضوع تونس جديد ومختلف، علاوة على أنه خروج عن الثالوث الإخباري المقدس: العراق، فلسطين وأفغانستان. لهذا أفرطت التلفزيونات في تغطيته قبل أن ينتهي، وهي تعلم أنه إذا انتهى الله أعلم متى ستفرض تونس نفسها مجددا كموضوع خبري.

ورغم تسابق الجميع على التغطية، اتهم 'معارضون' وبرلمانيون تونسيون قناة 'الجزيرة' دون غيرها بأنها تحاول النيل من استقرار بلادهم. ولو كان للقناة القطرية مكتب في تونس العاصمة لكان مصيره ذات مصير مكتب الرباط والكويت قبل أسابيع. يبدو لي ان هذا الحكم نابع من مواقف جاهزة سابقة تجعل القناة القطرية متهمة بغض النظر عن نوعية تغطيتها. حضر المسؤول الحزبي ـ المعارض ـ محمد المواعدة الى 'العربية' لينتقد 'الجزيرة'، وبعد دقائق من الكلام اكتشف المذيع أنه أمام معارض أكثر 'حكومية' من المسؤولين في الدولة فقال له: استمعنا طيلة اليوم الى وجهات النظر الحكومية وقد جئنا بك باعتبارك معارضا فإذا بك تقول كلاما أكثر مما قاله الحكوميون!

اللافت هنا أن الحكومة التونسية عملت بالقول الانكليزي القائل 'إذا لم تستطع التغلب عليهم فالتحق بهم'. فالموقف من القناة القطرية لم يمنع حدوث سابقة في علاقة السلطات التونسية بها، تمثلت في حضور وزير التنمية والتعاون الدولي التونسي للتعليق على أحداث سيدي بوزيد. يبدو أن حضور السيد محمد النوري الجويني شخصيا الى 'الجزيرة' عبر الساتل من تونس، كان قرارا سياسيا سياديا.

وهذا الموقف بالذات هو الذي دفع الرئيس بن علي الى التضحية بوزير الإعلام في حكومته. فالحرب كانت حرب صور وتغطية تلفزيونية. أظن أن أسامة الرمضاني لم يدفع ثمن تقصير الإعلام التونسي إنما ثمن تغطية التلفزيونات الأخرى.

رأس المال الأهم!

' هذه آخر زاوية لهذا العام بحكم أن الجريدة لن تعود للصدور إلا يوم الاثنين. وبما أن الصدف وبرمجة النشر بهذا المكان شاءت أن أنال شرف العبور بكم من عام منته الى عام جديد، سأشذ عن قاعدة التهاني والتمنيات لاقتناعي بأن 'العام الرايح أفضل من الجاي'، ولأنني لا أرى في الأفق ما يدعو الى التفاؤل، فلا داعي للمجاملات ولعبارات نكررها على بعضنا وأنفسنا منذ عقود وندرك جميعا أن لا شيء منها يتحقق، بالخصوص على الصعيد العام. 

إذن، سامحوني، لا تهاني ولا تمنيات إلا (ربما) واحدة: الصحة (رأس المال الأهم).

الى اللقاء العام المقبل.

0 تعليقات:

إرسال تعليق