2010-12-22

النـقبـة المثـقــّـفة




تلك هي التّسمية الوحيدة التي تليق بمن لم يبق لهم اليوم سوى أن يحمي بعضهم البعض الآخر بظهره بعد أن كُشفت أوراقهم في السّنوات الأخيرة وتفطّن التّونسيّون إلى مدى رداءتهم و انحطاطهم وزيف ادّعاءاتهم باحترام الرّأي المخالف.

مخرجون متصابون أدمنوا نقل صور النهود والأرداف إلى أسيادهم في فرنسا، أسيادهم الّذين يغدقون عليهم العطاء منذ ربع قرن لضرب ما تبقّى من الحياء في بلد ازدهرت فيه قلّة الحياء. 

محامون مفلسون فكريّا وماديّا إلى درجة تجعلهم قابعين في محطّات الأحداث، عسى أن يركبوا مسلسلا يصوّر الأنبياء أو قضيّة خطف أبكت الملايين، دون أن يفكّروا في الآلاف الذين تؤكل حقوقهم وتُمتهن كرامتهم وتتعفّن أطرافهم في السّجون بسبب رأي أبدوه أو فكرة عبّروا عنها.

إداريّون يهملون أعمالهم التي كُلّفوا بها ويقضون اليوم في الدّفاع عن أطروحة حوّلها إعلامنا المشلول إلى "كتاب" على الشّبكات الإجتماعيّة. أنا أفكّر إذا أنا فكرون، اقرأ كتابي قبل أن تعطيني الخسّ.

قنوات احترفت التّضليل والتّعتيم والتّثمين والإمتنان والمناشدة، وأخرى لا تمارس إلاّ الإلهاء ببرامج الدّموع التي تجوز على ذارفيها أكثر من أيّ ملتاع آخر.

إذاعات تستضيف زوجات ليصرّحن بأنّهن مللن أزواجهنّ في الفراش، وأخرى تزيّف نسبة الإضرابات النّقابيّة وتلغي استضافة تونسي لتحاور مكانه فرنسيّا دون أن تعتذر أو تبدي توضيحا.

مواقع تغرّر بالمراهقات على الملأ وتستغلّ طمعهنّ في الشّهرة لتحشو عقولهنّ بما تيسّر من العُهر وتهيّؤهنّ لأن يكنّ نجمات يُضئن ليالي رمضان القادمة بما سيبقى من شرفهنّ.

نفس المواقع تعبث بزائريها فتنشر أغنية جريئة تنتقد الفساد في البلاد ثمّ تتراجع وتمحو الرّابط بعد أن حقّقت الفرقعة الإعلاميّة التي كانت تحتاجها.

نفس المواقع تعيد نشر بلاغ مومس-افريقيا للأنباء عن أحداث سيدي بوزيد وتردفها بأرقام خيالية عن الإستثمارات التي "تمتّعت" بها الولايات الدّاخليّة في الثلاث وعشرين سنة الفارطة.

"سحفيّون" لم يدرسوا الصّحافة يوما يدّعون عدم المجاملة وكلّ ما يفعلونه هو تمجيد القرارات الرئاسيّة "الرائدة والملهمة" وشكر باعث الإسطبل الذي لا يزالون يظنّونه قناة تلفزيّة. يتركون النّاهب ينهب والغاصب يغتصب ويستضيفون حميرا وبغالا يصرّحون بخياناتهم الزّوجيّة على الهواء.

ممثّلون يتصرّفون على سجيّتهم في أفلامهم فتكون المومس مومسا والديّوث ديّوثا، ويمثّلون خارج الشّاشة فيذرفون دموع الأمّهات والزّوجات والأخوال والخالات ويبكون "قاعدة جماهيريّة" لا تكفي لملئ سيّارة أجرة.

لقد تمكّنت هذه النّقبة المثقّفة من إخفاء شكلها المقرف ورائحتها الكريهة لعقود من الزّمن. عقود استحوذت فيها على المنابر الإعلاميّة لتحوّلها إلى مقابر تعتيميّة، مستغلّة في ذلك قدرتها على ابهار النّاشئة وخلوّ السّاحة من أيّ صوت مخالف لنعيقها ليكشف مدى تعفّنها وعبثيّة خطابها الذي لم نرَ من حداثته سوى الفضلات التي أفرزتها القارّة العجوز.

لم يتصوّروا يوما أنّ الجّيل الذي عملوا السّنين الطّوال من أجل تخديره بالتّحليلات الكرويّة ومشاهد الإغتصاب ومسابقات الجّمال سينهض يوما من سباته .. ولكنّه نهض أخيرًا.

لا تزال النّقبة المثقّفة مصدومة من ردّة فعل هذا الجّيل، نفس الجّيل الذي "تربّى" على أفلامها وكتبها ومنوّعاتها وأغانيها وقيلها وقالها وما تنشره من تفاهات في مواقعها الإلكترونيّة. إنّها لا تصدّق أنّه استيقظ بمفرده! لا بدّ أنّ هناك جهات "يعرفونها جميعا" - كما يقولون دائما - تسلّلت إليه في الظّلام وحقنته بمصل إرهابي-ظلامي-تكفيري!

النّقبة المثقّفة لا تستوعب أنّ الجّيل الذي برمجته على الاستماع فقط سينطق يوما، ولا هي مصدّقة أنّ صوته يوم ينطق سيكون أشدّ من وقع القنابل.


22 تعليقات:

تعليق غير معرف ...

bravo....

à bas les masques!!!!

23 ديسمبر 2010 في 1:09 م

تعليق غير معرف ...

بداية انا معك من حيث المبدا من احتقار لهذه الحثالة من الفنانين وممثلين وحتى صحفيين والتي لا اسميها "نخبة" ولا ارى انها تستحق هذه التسمية من حيث انها لا تقدم فكرا ولا فنا راقياو لكن فنا مبتذلا لا يبتعد عن صورة شارع مظلم من احد الاماكن العفنة.اقول احييك ولكن لا يجب ان ندافع عن النموذج الذي ينادي به بسيكو ام (نموذج الخلافة الاسلامية وما وراءها من افكار تكفيرية للاسلام المعتدل ومشجعة على التطرف) ونعطي بالتالي من حيث لاندري حجة لهؤلاء الرعاع وفرصةلركوب الاحداث و تصوير انفسهم دعاة حرية ومدافعين عن الافكار التنويريةالتى هم ابعد ما يكون عنها.

23 ديسمبر 2010 في 1:27 م

تعليق رمزي ...

غير معرّف 2@
هل لك أن تخبرني أين ورد هذا الدّفاع عن "نموذج الخلافة الإسلاميّة" في المقال بالضّبط؟
أنتظر ردّك.

23 ديسمبر 2010 في 1:42 م

تعليق غير معرف ...

عفوا انا لم اقل بان المقال يدافع عن "نموذج الخلافة الاسلامية" ولكن اشرت بانه من المفروض ان نضع ما قام به بسيكو ام(الذي المح اليه المقال) في اطاره وانه لا يخل من امكانية نقده حتى لا يقع تمجيده و ينجر هذا الجيل الى ما لا يحمد عقباه.ارجوا ان يتسع صدرك لهذا الراي وان لا تنظر له على انه انتقاد

23 ديسمبر 2010 في 2:36 م

تعليق titof ...

غير معرف يقول...
نحن لا نتحدث عن بسيكو ام بل نتحدث عن الهجمة التي تتعرض عليها المتنوشة ؟لا ادري كيف استنجت موضوع بسي كو ام

23 ديسمبر 2010 في 2:43 م

تعليق رمزي ...

غير معرّف 2@
مشكلتي ليست في النّقد ولا الانتقاد (لو كانت لي مشكلة من هذا النّوع لما نشرت التّعليق أو رددت عليه من الأصل). مشكلتي هي أنّي حقّا أعدت قراءة المقال مرّتين بحثا عمّا تسمّيه تلميحا لبسيكو آم دون أن أجده.

أرجو ألاّ تكون ممّن يظنّون أنّ هذا المطرب هو التجلّي الوحيد لموجة الرّفض واستنكار السّطحيّة والبذاءة بين شباب تونس، وأرجو ألاّ تكون ممّن يقفزون على اتّهام من أشرتَ إليهم بلفظ "الرّعاع" كلّما لاحظوا تشبّث التّونسيّين بالقيم والأخلاق.

الإسلاميّون ليسوا بالضّرورة وراء انقلاب الشّباب التّونسي على أدعياء الفكر والثقافة، توجد أسباب عديدة منها النّشأة في محيط سليم والملل من الرّداءة التي تلفّها النّقبة المثقّفة في قرطاس "الجّرأة الحداثة".

23 ديسمبر 2010 في 3:01 م

تعليق محمد ...

مقال يبرد عالقلب بصراحة , يرحم من قرى و ورى .
فكرتني بمخرج تونسي موش حاب يخرج من الحمام و العذرية و الحجاب ,قريتلو تصريح يضحك و يبكي يطالب فيه بمليار كدعم عمومي , اي نعم عمومي , بش ينتج فيلم عال(حجاب) و يهدد و يتوعد كان ياخذ اقل من 500 مليون !!!!
راهو مليار و موش من اسيادو من بره , اما من فلوسي و فلوسك و فلوس الزوالي اللي ضاربتو الحيوط.
ههههههه قال شنوة قال مثقفين

23 ديسمبر 2010 في 5:10 م

تعليق غير معرف ...

عذراً يا سيد "غير معرف" صاحب التدخل الأول هل لك أن أنرتني وربما بقية القراء على مفهومي "الاسلام المعتدل" و "نموذج الخلافة الاسلامية"

23 ديسمبر 2010 في 7:48 م

تعليق Unknown ...

يعطيك الصحة في المقال هذا ، في بلاصتو

23 ديسمبر 2010 في 8:14 م

تعليق PhiloZoph ...

لا أريد أن أكثر في المديح و التمجيد ولكن ما تقدمه المتنوشة يفرض الإحترام و يثلج الصدر و يحي الأمل من جديد
مقال ممتاز فعلاً كما عودتمونا ، ننتظر منكم المزيد ...
إلى اللقاء في إبداع جديد
مع تحياتي

23 ديسمبر 2010 في 8:33 م

تعليق Unknown ...

أنا أحمد الله على وجود شباب لهم من الوعي ما يكفي لينفظوا نتن ثقافة الشبقيّة التي أوجعنا بها علبانيّوا الحزب الحاكم إلى حدّ ضاعت فيه الفضيلة في مجتمعنا وصار التهجّم على العقيدة شغل النقب العفنه لا بناء البلاد و العباد ،أنا سأنام على فرح رغم المراره بأن هذا البلد سينفض عن وجهه بذاءة السرّاق واللوطيين والمومسات والسوقيين والقوّادين ومدمني الخمر كل من يسعدون بعموم البذاءة لكي لا يدفعوا أيّ ثمن لما هم عليه من تفسّخ أخلاقي أرهقوا به الوطن . فمرحى لكلّ الغرباء الّذين يؤثّثون صفحة المتنوشه أنتم الأعلون بإذن الله ..وللسيّد الذي يتخوّف من قيام الخلافة الإسلاميّه التي يدعوا لها بسيكو آم هههههه ..يا ولدي أوّل حاجه سايكو موش مهبول وهو يعرف إنّو في نظام الدوله القطريّه حكاية الخلافة هذه ما يحكيوا عليها كان العلمانيين الأصفار إلّي ما عندهم ما يبيعوا باش يقعدوا في موقع القرار ويخوفوا لبهليل من أي تغيير فعلي ..وثاني حاجه تعرفش تقرا التاريخ برّه شوف وقتاش كان الفرد متمتّع بكامل حقوقوا كإنسان و وقتاش ولّى مستعبد : ملّي ظهرت الدوله القطريّه توّه إنت بيدك كيما سيكو الحالم تتمنّى لو كان جيت عايش تحت لواء الخلافة الإسلاميه باش تحس بالإنسانيه ..متنوشه إلى الأمام يا معلميّه !

23 ديسمبر 2010 في 9:41 م

تعليق Unknown ...

مقال أكثر من رائع
شكرا لكم
:))))

23 ديسمبر 2010 في 10:10 م

تعليق غير معرف ...

bravoooooooo

24 ديسمبر 2010 في 1:20 ص

تعليق غير معرف ...

يظهر ان تعليقي فهم خطاءا اولا:1- كلمة الرعاع قصدت بها المجموعة التي تسمي نفسها" النخبة المثقفة" فثقافة الارصفة لا احترمها ولا تعنيني.
2- لم اقفز على اي اتهام ضد المتشبثين بالقيم والاخلاق لانني منهم و ضد العري والتمييع والتفسخ الاخلاقي ولكن في نفس الوقت ضد الفكر الاسلامي الماخوذ عن الشيوخ المتشددين والذي اراه بعيدا عن روح الدين والنص.
و ان قلت ان المقال لم يات على ذكربسيكو ام وانما قصدت استفاقةالجيل ككل فوارد انني استنتجت انكم تقصدونه بانه السبب المباشر لهذه الاستفاقة و لما لاحظت دفاع المدونة والصفحة اللامتناهيين له فاردت ابداء رايي بانه ليس النموذج الذي يؤخذ به.
بالنسبة للتعليق رقم 8:عفوا لست مطالبةبشرح مفاهيمي وافكاري

24 ديسمبر 2010 في 5:52 م

تعليق غير معرف ...

"غير معرف" صاحب / صاحبت التدخل الأول والذي قبلي :
بما أنك لست مطالبة بشرح مفاهيمك وافكارك فلا فائدة في تقديمها مادمت خاصة بك وحكراً عليك

وبما أنها خاصة بك وحكراً عليك فهي لا يمكن أن ترقى لمستوى المفهوم لأن المفهوم شامل وشائع ومعتمد برغم قبوله للنقاش لإستدلال عليه أو تبيان خطأه ولا يمكن أن يصبح فكراً لأن الفكر تشاطره مجموعة (أكثر من فرد واحد) وتتبناه وتنشره وتدافع عليه.

عموما ليس هذا ما قصدت ولكن اجابتك تكفيني لتأكد من ماذا أردت القول بين السطور (في تدخلك الأول وخاصة الثاني)

وشكراً

24 ديسمبر 2010 في 7:38 م

تعليق غير معرف ...

برا الله يرحم والديك في هالكلمتين .. فرهدتلي على قلبي

25 ديسمبر 2010 في 1:13 ص

تعليق غير معرف ...

WAAAAW BRAVO

29 ديسمبر 2010 في 1:26 ص

تعليق غير معرف ...

wallah klam yna7i 5amja 3al 9alb allah yar7im waldik :)) n09ba wallah wili ydaw5ik mazal mashi fi bélh0m ili h0ma wa7adh0m il 9afzin wili fahmin denya .la f0dha fék ya 50uya 7abit niktib bil 3arbi ama dsl l clavier mayiktibish

31 ديسمبر 2010 في 12:36 ص

تعليق غير معرف ...

excellent

10 فبراير 2011 في 12:06 ص

تعليق غير معرف ...

رائع

3 مايو 2011 في 4:07 م

تعليق غير معرف ...

merci c'est un bon analyse;;;; bravo

3 مايو 2011 في 5:47 م

تعليق غير معرف ...

يقولون أن النظام القديم كان علمانيا و النخبة المثقفة كانت علمانية في عهد نظام زابا و هذا النظام أدى إلى فساد المجتمع و و و

متى ستفهمون أن النظام الشبه راحل كان ديكتاتوريا كان نظاما بوليسيا كان نظاما إجراميا ليس فيه معارضة و لا علمانية و لا إسلامية و لا إلي إتحبو انتوما. و النخبة المثقفة التي تدعي بأنها النخبة المثقفة في النظام البائد... و شاركت في المهزلة الصحفية و غيرها هي لا تمثلني و لا تمثل العلمانيين الأحرار

فالعلمانيون الأحرار إما إلتزمو بالصمت إما هاجروا إلى الغرب إما إكتفو بطلب العلم و الإبتعاد الكلي عن السياسة و المجتمع. و أنا أثق في هؤلاء العلمانيين الأحرار الذين وقفو في الثورة ضد الديكتاتورية و هؤلاء الأحرار سوف يقفون لكل راكب على الثورة بالمرصاد و سوف تتعرفون على هذه الطبقة من العلمانيين آجلا أو عاجلا لأننا طبقة مثقفة و لا دخل لنا في جرائم بن علي و بوليسه السياسي و لسنا مستعدين لنتحول من نظام بوليسي إلى أي نظام آخر يقيد حياتنا من جديد

3 مايو 2011 في 6:06 م

إرسال تعليق