المتنوشة - خاصّ
بالسّواك الحارّ، أحمد البديري، سميحة برّيري، حمّة حمّتين .. أسماء مستعارة يتذكّرها جيّدا كلّ من كان يتابع أخبار معارضي بن علي في موقع فايسبوك. كان أصحاب هذه الحسابات الوهميّة يتفنـّنون في صياغة مقالات القذف والثلب والتّشهير وفبركة الصّور والفيديوهات الخليعة لكلّ من يتجرّأ على انتقاد "المْعلّم" أو زوجته أو حتّى وزراءه و مناشديه.. المنصف المرزوقي، أحمد نجيب الشابّي، حمّة الهمّامي، راشد الغنّوشي، سهام بن سدرين .. لم يسلم أيّ من هؤلاء من الاتّهام بالـ"عِمالة" و "خيانة الوطن" وحتّى الإنتماء للمخابرات الإسرائيليّة "الموساد".
لم تكن هذه الحسابات الوهميّة سوى إمتدادًا إفتراضيّا لما كان نفس المتعاونين مع شرطة الانترنات ينشرونه على أعمدة الأسبوعيّتين "الحدث" و "لكلّ النّاس" لصاحبهما عبد العزيز الجّريدي.. كان الكثير من النّشطاء والمتابعين يعتقدون أنّ هؤلاء المتعاونين يقبعون في مكاتب ذات إنارة خفيفة في مبنى وزارة الدّاخليّة أو الوكالة التونسيّة للانترنات، إلاّ أن الصّورة الحقيقيّة مختلفة عن ذلك بعض الشّيئ.
هؤلاء المتعاونون كان يتمّ انتقاؤهم بعناية من بين طلبة "الأكاديميّة السياسيّة للتجمّع الدستوري الديمقراطي" بعد تزكية من أحد قياديّي الحزب يشهد لهم فيها بالإخلاص الأعمى للتجّمع و رئيسه، إتقان اللغات الأجنبيّة (الفرنسية خاصّة)، الإلمام بجميع تقنيات الإتّصال الحديثة و طبعا الإنحطاط الأخلاقي الذي كان أهمّ هذه الشّروط.
بعد "الإنتداب" كان التجمّع يسلّم لهؤلاء حواسيب محمولة من آخر طراز وربطًا بالانترنات سريعة التدفّق حتّى ينجزوا "مهامّهم" في أحسن الظّروف ودون الحاجة لمغادرة منازلهم. هذه المهامّ لم تكن شديدة التّعقيد لكنّها كانت تتطلّب تفرّغا ولعلّ أكثرها أهميّة بالنسبة لهذا الجّهاز هي:
1) تجميع معلومات شخصيّة و صور تخصّ المعارضين والمدوّنين وناشطي الانترنات لتركيبها لاحقا على أجساد عارية ونشرها للعموم أو تقديمها للمصالح المختصّة في وزارة الدّاخليّة (إذا كان المعارض أو الناشط غير معروف لدى هذه الأخيرة).
2) تحرير مقالات الثّلب ضد زعماء أحزاب المعارضة و وضعها كتعاليق في مواقع الصّحف الفرنسيّة التي تنتقد نظام بن علي.
3) المتابعة اليوميّة لما تنشره مواقع وصفحات المعارضة.
4) رصد "الجوّ العامّ" في الشبكات الإجتماعيّة والإبلاغ عن أيّ إضراب أو اجتماع أو تحرّك احتجاجي.
5) الإشراف على الصّفحات المساندة لبن علي والمؤيّدة لترشيحه للرئاسة ونشرها للحصول على المزيد من المشتركين (والتي كانت تجمع قرابة ربع مليون مشترك).
ما مقابل كلّ ذلك؟ امتيازات متعدّدة منها منحة قارّة وأخرى تتغيّر حسب أهميّة "الصَـبّة"، توسّط قيادات التجمّع لفائدة المتعاونين لإكمال دراستهم في المرحلة الثالثة داخل تونس أو خارجها أو تفضيلهم على منافسيهم في مناظرات التّشغيل، اشتراكات نقل مجانيّة، الصّعود داخل الحزب، وغيرها من الامتيازات التي كانت تفتح الأبواب المُغلقة بكلمة واحدة: "متاعنا" أو "ولدنا".
بعد هروب بن علي من تونس، سيكون من السّذاجة أن نظنّ أنّه أخفاهم في إحدى خزائن قصر سيدي بوسعيد أو أخذهم معه للسعوديّة في قرص مضغوط.
البقيّة في الأجزاء القادمة .. تابعونا
رمزي